mahde
عضو جديد
1- الحسد
يقول الشيخ محمد متولى الشعراوى عن رذيلة الحسد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الواقع المعاصر أثبت أنه كلما يترقى العلم يمنحنا فكرة، عن أن الشيء كلما شف وخف
أي أصبح دقيقا. يكون أكثر عنفا.
وعلى سبيل المثال: انسان بنى بيتا في حقل متسع فمر عليه صديق له وقال: ألا تعرف أن هنا في الخلاء المتسع ذئبا؟ وأوصى الصديق صاحب البيت بأن بني نوافذ من حديد ليمنع الذئاب من أن تدخل عليه.
ثم مرّ عليه ثان فقال له: ان حديد شبابيك المنزل متسع، والثعابين في هذا الخلاء كثيرة وأوصى صاحب البيت أن يضع ستارة من السلك.
لكن صديقا ثالثا قال لصاحب المنزل: ان الناموس الفتاك بالملاريا منتشر، وعليك أن تضع ستائر من السلك أكثر ضيقا من هذه.
اذن فالشيء كلما لطف عنف، أي كلما صغر الشيء في الحجم كان عنيفا أكثر، والعنف ليس مرتبطا بحجم المادة، انما من عمق فاعلية المادة وتأثيرها، وعلوم الطب تكشف كل يوم عن الأمراض الخطيرة الفتاكة، وقد تكون بسبب أصغر الميكروبات حجما، كما أن هناك الآن أشعة الليزر التي يتم بها اجراء عمليات جراحية بدون مشرط أو نزول قطرة دم، هذه الأشعة تخترق أدق وأصلب الأشياء.
والحسد أمر مقطوع به برغم أنه ليس من الأمور المادية، فلماذا ننكر على الحاسد أن بصره قد تصدر عنه اشعة أشف وأخف من أشعة اللايزر؟
قد يقول قائل: وما ذنب المفتوك به من الحسد؟
نقول أيضا: وما ذنب المقتول خطأ برصاصة؟
وقول الحق سبحانه:{ ومن شر حاسد اذا حسد} الفلق 5, أي: أن بعض الناس يحسد، ولذلك عندما يرى الانسان نعمة الله على انسان آخر فعليه أن يقرأ سورة الفلق، وليقل ما شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله ولا يحقد على صاحب النعمة. جينئذ تعلق في قلبه نوافذ الاشعاع الحاسد، لأن هذه الاشعاعات النافذة لا تخرج الا في حالات الحقد والغضب.
اذن فالانسان حين يقول: ما شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله، فانه يقي نفسه من أن يكون حاسدا، ويمنع غيره بقوة الحق سبحانه وتعالى من أن يكون حاسدا له.
ان الحسد والسحر هما من الشرور غير المرئية التي تتساوى معه الشرور المرئية، وان كانت أدواتهما غاية في اللطف والعنف في آن واحد.
والانسان الذي يحقد هو انسان يعاني من تضارب الملكات، حتى انه يبدو وكأنه يأكل بعضه بعضا، فالحقد جريمة نفسية لم تتعد الحسد، ويقال عن الحقد أنه الجريمة التي تسبقها عقوبتها، وهي عكس أي جريمة أخرى نجد أن عقوبتها تتأخر عنها الا الحقد، وذلك أن عقوبة الحقد تنال صاحبها من قبل أن يحقد.
الحاقد لا يحقد الا لأن قلبه ومشاعره تتمزق عندما يرى المحقود عليه في خير، ولذلك جاء في الأثر:" حسبك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك".
2 -النميمــــــــــة ...
روى البخاري ومسلم عن إبن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله مر بحائط اي بستان من حيطان المدينة فسمع صوت رجلين يعذبان في قبريهما فقال النبي : ((إنهما ليعذبان ومايعذبان في كبير، ثم قال: بلى وإنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة))..
ان من الآفات الخطيرة النميمة، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض من أجل الإفساد وإيقاد نيران الحقد والعداوة بينهم، وقد ذم الله تعالى صاحب هذا الفعل فقال عز وجل: ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم أي لاتطع ولا تسمع لكل حلاف مهين أي الذي يكثر الحلف وهو كاذب، والهماز الذي يغتاب الناس، والمشاء بنميم هو الذي يمشي بين الناس ويحرش بينهم وينقل الحديث لإفساد ذات البين.
فالنميمة خلق ذميم لأنه باعث للفتن وقامع للصلات وزارع للحقد ومفرق للجماعات
صور النميمة ...
إن من أشد صورها خطراُ تخبيب الزوج على زوجته والعكس أي السعي في إفساد العلاقة بينهما، ولا يخفى ما يصلح بسبب هذه النميمة من التباغض والكره بين الزوجين الى أن يصل الأمر إلى الفصل والطلاق بينهما غالباً.
ومن صور النميمة السيئة قيام بعض الموظفين لدى أرباب الجاه والسلطان والمسؤولين بنقل كلام الآخرين بقصد إلحاق الضرر بهم ..
ومن صورها أيضاً: رفع الثقة من مزاحم في تجارة أو صناعة وإنزال شخص عن مكانته واحترامه ...
قال النبي فيما يرويه أحمد والحديث صحيح: ((خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكرالله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العنت)) أي الذين يسببون بهذه النميمة التعب والمشقة والمصائب والمحن للأبرياء.
فليتق الله أصحاب الألسنة الحداد، ولا ينطقوا إلا بما فيه الخير لخلق الله، ويكفيكم في هذا قول المصطفى : ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت))
إن الواجب على من نقل إليه أحد أن فلاناً يقول فيه كذا وكذا أن ينكر عليه وينهاه عن ذلك ويذكره بما قال : ((لا يبلغن أحد من أصحابي عن أحد شيئاً فإني أحب أن أخرج اليكم وأنا سليم الصدر))، وترهبه بقوله : ((لا يدخل الجنة نمام)) نعوذ بالله من النميمة ومن أهلها.
كذالك فالواجب أن لا تصدق النمام لأن النمام فاسق، والله تعالى يقول في شأن الفاسق: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة ويجب أن تنهي هذا الناقل وتنصحه وتبين له ما يترتب عليها من إيذاء المسلمين وظلم الناس في أعراضهم وأرزاقهم وتحذره من عاقبة وشايته، وتأمر أن لا يظن بأخيه الغائب السوء فإن الله عز وجل يقول: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم وخير علاج يقضي عليه أن ينصرف الناس عن النمام ولا يستمعون إليه ...
وروي عن ابن عمر بن عبدالعزيز أنه دخل عليه رجل فذكر عنده وشاية في رجل آخر فقال عمر: إن شئت حققنا هذا الأمر الذي تقول فيه وننظر فيما نسبته إليه، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية: هماز مشاء بنميم وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً، ثم اعلم أن من نقل إليك كلام الناس وأفشى سرهم، فإنه ينقل عنك كلامك ويفشي سرك الى الآخرين، ورحم الله الحسن البصري فإنه قال:
لا تفش سراً ما أستطعت إلى امرئ يفشي إليك سرائراً يستودع
فكما تـراه بسـر غيـرك صـانعاً فكذا بسرك لا أباً لك يصنع
وقال رجل لعمرو بن عبيد: إن رجلاً – وذكر إسمه – ما يزال يذكرك في قصصه بشرّ. فقال له عمرو: يا هذا ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ولكن أعلمه: أن الموت يغمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين ...
وروى أن سليمان بن عبد الملك كان جالساً وعنده الزهري رحمه الله فجاءه رجل فقال له سليمان: بلغني أنك وقعت في وقلت كذا وكذا فقال الرجل ما فعلت ولا قلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق فقال له الزهري: لا يكون النمام صادقاً، فقال سليمان: صدقت، ثم قال: للرجل اذهب بسلام.
وروي أيضاً أن بعض السلف زار أخاً له وذكر له بعض إخوانه شيئاً يكرهه فقال له: يا أخي أطلت الغيبة وأتيتني بثلاث جنايات – أي مخالفات – بغضت الي أخي – أي جعلته مكروهاً عندي – وشغلت قلبي بسببه، وأتهمت نفسك الأمينة.
فيا أخي المسلم وأختي المسلمة إحفظا لسانكما من هذه الآفة السيئة: النميمة، فإن فيها إفساداً لذات البين، وفي إفساد ذات البين تعاون على الإثم والعدوان والله جل وعلا يقول: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان
ولذلك سماها النبي : ((الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين))، فعلى كل مسلم أن يسعى في كل أمر يؤلف بين قلوب إخوانه ويجمع كلمتهم وأن ينابذ ويبغض كل ما يؤدي الى الإفساد في الأرض بسبب النميمة، فقد سمعتم في الحديث أنها سبب لعقوبة الله وعذابه في القبر كما قال عليه الصلاة والسلام: ((وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة))
وحسب النمام عقوبة وعذاباً أن لايدخل الجنة فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين .
فاللهم اهدنا لمحاسن الأخلاق وصالح الأعمال، وجنبنا مساوئ الأخلاق ومنكرات الأعمال اهدنا إلى صراطك المستقيم إنك جواد كريم، وأغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
مع تمنياتي لكم بالهدى والغفران