الزعيم
مشرف سابق
عناصرالقوةالحقيقية
القوة صفة من صفات الله. تبارك اسمه
ومن صفاته وحده. أنه القادر علي كل شيء. ومن دلائل قوته. أنه خلق كل شيء. وخلقه من العدم. وبصورة فوق مستوي عقولنا. ومن قدرة الله أن بيده الحياة والموت. وهو القادر علي بعث خلقه من جديد في يوم القيامة. ومن قوة الله. ما يصنعه في العالم من عجائب ومعجزات.. وكما أن الله قوي. هو أيضا مصدر لكل قوة. يمنحها بنعمته للبشر. أو لبعض منهم. فما هي هذه القوة؟ وما أنواعها؟
ليست القوة هي مجرد القوة الجسدية.
إنما القوة تظهر في عناصر متعددة. منها قوة الشخصية. وقوة النفس. وقوة الإرادة. وقوة الأعصاب.
وما نريده في هذا المقال. هو أن نتأمل معاً في عناصر القوة هذه. ليختبر كل منا نفسه: إلي أي حدّ هو قوي أو ضعيف.
قوة الشخصية
لعل من أبرز ما يميزها: قوة العقل والفكر
إنسان قوي في ذكائه: في سرعة البديهة. في قوة الإقناع. في روعة الفهم والاستنتاج. له قوة الحجة. وقوة الأسلوب. وقوة الذاكرة. لذلك إذا دخل في أي موضوع. يسنده بالفكر القوي. الذي يمكن أن يجذب الآخرين. فيخضعوا لمنطقه.
هذا الإنسان القوي لا يسير وراء كل شائعة. ولا وراء كل مذهب جديد. بل يفكر ويفحص الأمور جيداً في ذكاء. ويتمسك بما هو أفضل.
وبذكائه وفهمه. يكون ناجحاً في كل مسئولية تُعهد إليه.
ويقف قوياً أمام المشكلة: لا تهزمه. بل يحلها أو يحتملها إلي أن تُحلّ. أما الذي ينهار أمام المشاكل. فليس هو قوياً.
ومن عناصر قوة الشخصية. أنه يستطيع أن يؤثر في غيره
لا أن يكون تحت تأثير الغير. ومثل هذا الشخص. يكون ممن يصلحون للقيادة والتدبير. بعكس الضعيف الذي يخضع لتأثير غيره. ويقوده الذين حوله ممن هم أذكي منه وأعمق فكراً!!
وقوة التأثير هذه تنفع في محيط الصداقة. وفي مجال العمل الاجتماعي. وفي الخطابة. وفي الوعظ والإرشاد الروحي. كما تنفع أيضا الكاتب والصحفي. إذ تكون لشخصيته جاذبية وقوة تأثير.
والشخصية القوية لاتنقاد إلي مشورة خاطئة. ولكن لا مانع من أن تستشير ذوي الحكمة والرأي. ولا يكون القوي عنيداً صلباً في الرأي. بل سهلاً في التفاهم. ولكن ليس ألعوبة في أيدي الغير.
قوة النفس
النفس القوية لا تقلق ولا تضطرب. ولا تخاف ولا تنهار. ولا تتردد
إنها كالجنادل في مجري النهر: تصطدمها المياه والأمواج علي مدي السنين والقرون. وهي ثابتة في مكانها. وكالجبال تصطدمها الرياح والأمطار والسيول. دون أن تتأثر.
الإنسان القوي هو انسان صامد أمام المشاكل العويصة. وأمام التهديدات. فهو قوي من الداخل. مهما كان الضغط من الخارج.
أما الضعيف. فإنه يتخيل مخاوف. وينزعج بسببها. وربما لا يكون لها وجود ! ولكنه بسبب خوفه الداخلي. يتوقع أن تأتيه المتاعب. فيتعب بدون سبب. كالذي يهرب وليس من يطارده..!
فالإنسان القوي لا يضع أمامه احتمال الفشل أو الانهزام
مهما كانت المتاعب.. كل هذه لا تدخل إلي قلبه لتتعبه. إنه يتعامل مع المعوقات وهي خارجه. ولا يسمح لها أن تدخل إلي قلبه. أو أن تؤثر علي أعصابه.
التلميذ الضعيف يدخل إلي الامتحان. فإن وجد سؤالاً صعباً. يتصبب عرقاً. ويغمى عليه. وينسي كل ما كان قد حفظه. أما صاحب النفسية القوية. فإنه يفكر في الحل. ويبدأ أولا بالأسئلة السهلة ليحلها. فتتقوي نفسيته. ثم يعود إلي الصعب فيحله.
في الواقع إن المفهوم الحقيقي للقوة. ينبغي أن يتركز علي القوة الداخلية. علي حالة القلب من الداخل.
القوة الداخلية هي الانتصار علي النفس من الداخل.
فليس القوي هو الذي ينتصر علي الآخرين.
إنما هو الذي ينتصر علي نفسه.
حتي في حالة التعرض لإساءات الآخرين وتجاوزاتهم! يجب ان لا يستسلم إلي الغضب والنرفزة. ولا يثور ويضج.
قال أحد الحكماء: إن القوة الغضبية قد وضعت في الإنسان. لا لكي يغضب علي الآخرين. إنما لكي يغضب علي نفسه إذا أخطأ.
فإذا انتصرت علي نفسك من الداخل. حينئذ يمكنك أن تنتصر علي كل المشاكل الخارجية. دون أن تقع في خطأ.
إذن من عناصر القوة: ضبط النفس
ان الذي يضبط لسانه هو إنسان قوي.
كذلك الذي يستطيع أن يضبط أفكاره. فلا تهزمه الأفكار. ولا تطيش حيثما تشاء فتوقعه في خطايا كثيرة.
وأيضا من يضبط نفسه في الصوم. ومن يضبط نفسه من جهة الوقت. فلا يضيعه في متعة تافهة. ولا في أحاديث لا تفيد.. ومن أهم مظاهر ضبط النفس: ضبط الأعصاب.
قوة الأعصاب
الإنسان الضعيف الأعصاب. أقل كلمة تغضبه وتثيره
وتجعله يفقد هدوءه. ويفقد سيطرته علي نفسه. ويخطيء في تصرفاته وفي ألفاظه. ويكون موضع نقد من الآخرين.. لأن أعصابه ضعيفة لم تحتمل! مهما كان قويا في نواحي أخري.
حقاً. إن الأعصاب مسألة جسدية. ولكن العامل النفساني يؤثر عليها. فالإنسان الغضوب. أعصابه تلتهب بسرعة. كذلك الإنسان المحب لذاته الحساس نحو كرامته الشخصية: أقل تصرف يلمس كرامته. أو يظن أنه يلمس كرامته. يتسبب في تعب أعصابه! ذلك لأن أعصابه ضعيفة لا تحتمل.
فأعصابه هي نقطة ضعف فيه
بينما القوي يمكنه أن يحتمل .. إن الذي يعتدي علي غيره. هو الشخص الضعيف في أخلاقياته وسلوكه. بينما الذي يحتمل. يعتبر قويا. إنه كالجبل الراسخ الذي لا تثيره أخطاء غيره ضده.
أما الذي يثور. ويحاول أن ينتقم ويسيء إلي من أساء إليه. هو مغلوب من ذاته. وليس مغلوباً من غيره. لأن تصرف الغير قد أتعبه. وأفقده هدوءه. وأتلف أعصابه.
كمدرس في مدرسة إعدادية أو ثانوية. يعرف الطلبة عنه أنه سهل الاستثارة. يهيج بسرعة. ويعنّف ويوبخ. تجدهم يتخذونه ألعوبة لهم. ويخترعون فنوناً في إثارته! لكي يشاهدوا حالته التي تضحكهم وهو فاقد لأعصابه!
أما المدرس القوي في شخصيته. فإنه يرتفع فوق مستوي الإثارة. لا ينكشف هذا الضعف منه. لأنه من الأصل غير موجود.. ولأن أعصابه قوية. ينال احترام تلاميذه.. ربما جرّبوه. فوجدوه لا ينفعل.
إذن ليت كل إنسان يختبر نفسه. ويدرك ما هي نقاط ضعفه. ويبذل كل الجهد في الانتصار عليها. بدلاً من أن يبدد طاقته في محاولة الانتصار علي غيره.
البعض يظن أنه قوي ومنتصر. لأنه يبدو من الخارج هكذا. بينما هو في داخل نفسه ضعيف. إذا أُثير يظهر ضعفه بان يفقد السيطرة على نفسه.
إن القوي ليس هو فقط الذي يحتمل تصرفات الناس. إنما أيضاً الذي يحتمل الأحداث والمشاكل.
يحتمل المتاعب التي تتعب غيره. لكنه هو يصمد أمامها.. يحتمل الأمراض. والضيقات. والحوادث. والتحديات.
ربما يوجد إنسان لا يحتمل. فإن سمع خبراً مزعجاً. ينهار. يؤثر الخبر علي نفسيته. وعلي أعصابه. ويزعج مشاعره وفكره. وربما يرتفع ضغط دمه. ويدق قلبه بسرعة. وربما يمرض! لأنه لم تكن له القوة التي يحتمل بها ذلك الخبر. بينما غيره قد يتعرض لمثل ذلك الخبر. فلا ينزعج ولا ينهار. وإنما في هدوء يفكر كيف يواجهه.
قوة الإرادة
الإنسان القوي. يكون أيضاً قوياً في إرادته وفي عزيمته إذا قرر شيئاً فيه فائدته يمكنه أن ينفذه بقوة وبلا تردد.
ومهما واجهته من الصعاب والعراقيل. فإن إرادته تكون أقوي من العراقيل. ويجد لذة في الانتصار علي الصعاب.
إنه يحترم نفسه. ولا يسمح لها أن تضعف. إذا ما قابلها عائق في الطريق. فإن طريق الخير قد يقاومه عدو الخير. أعني الشيطان. ويحاول أن يعرقله. وهنا يجسّ نبض الإنسان. هل هو من النوع الذي يصمد. أم تراه يخاف. ويرتد إلي الوراء. ويبدأ ولا يمكنه أن يكمل.
والأمثلة كثيرة في موضوع قوة الإرادة:
منها من يشعر بضرر التدخين علي صحته. وعلي أولاده أيضا بجو الدخان في البيت. وبقدوته السيئة لكل أفراد الأسرة. بالاضافة إلي الضرر المادي في أن يحرق بعض ماليته بالتدخين. وأمام كل الأضرار. يريد ولكنه لا يستطيع! لأن إرادته ضعيفة. فنفسيته تري الخير. ولا يمكنها أن تسير فيه. وتري الشر ولا يمكنها أن تقاومه..! من شدة ضعفها
وما نقوله عن التدخين. نقوله أيضا عن كل عادة رديئة. خضع لها الإنسان. واستعبدت إرادته. فصار عبداً منقاداً لها خاضعاً لتأثيرها. مهما أدّعي الحرية او الرجولة !
قد يكون حراً في نواح أخري. أما في هذه النقطة بالذات. فهو ليس حراً علي الإطلاق. بسبب ضعف إرادته.
وضعف الإرادة يختبر أيضا بعوامل الإغراء
فإن كان الإغراء قوياً قد تضعف أمامه الإرادة! وإن اشتد الإغراء. ولم تكن النفس قوية من الداخل. فقد تنهار الإرادة تماماً. وتستسلم للإغراء..!
وهذا هو الذي حدث بالنسبة لكثيرين. اختبر شرفهم بالرشوة. إذا كان العرض مجزياً في نظرهم. فسقطوا في الإغراء. ولم تقوَ ارادتهم علي الصمود فضيعوا أنفسهم!
وقد يكون الإغراء وظيفياً بعرض وظيفة كبيرة أو مركز مرموق مقابل التنازل عن مبدأ معين أو عن قيم ومباديء سامية ولم تقوَ ارادتهم علي مقاومة المركز الرفيع. أو ما ظنوه مجداً لهم. أو فرصة العمر!
وقد يكون الإغراء خاصا بشهوة جسدية لم تستطع الارادة أن تقاومها. فسقطت. وكما قال سليمان الحكيم عن هذه الخطيئة إنها "طرحت كثيرين جرحي. وكل قتلاها أقوياء". أي أنهم أقوياء في نواح أخري. أما في مجال هذا الإغراء. فلم تكن الارادة قوية. بل ضعفت وسقطت!
اللهم قوي شخصياتنا على الحق وبالحق وفي سبيل الحق