وجوب التحريض في إنصاف التمريض

abu ismail

مدير عام
مدير عام

وجوب التحريض في إنصاف التمريض
للنائب د. يونس الأسطل
لا زلتُ مشدوداً إلى تلك الآهات التي استمعناها في لقاءٍ ضَمَّ الكتلة الإسلامية في نقابة الممرضين بكتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي، فقد آلَمَنا أن همومهم تكاد تجعلهم حَرَضاً، أو تجعلهم من الهالكين، وأضعف الإيمان أن يكونوا من المُدْحَضِين في أقرب استهامٍ على
إدارة النقابة، وميقاته في بضعة أشهر، أو أسابيعَ معدودات.
ومن المعلوم أن هذه النقابة كانت مؤشراً على حضور الحركة الإسلامية، وقوة الدعوة، في مفاصل خطيرة، لاسيما بعد أن تَغَنَّتْ السلطة، وفصيلها التي تؤويه؛ أنهم تمكنوا من تحويل حماس إلى شرذمة قليلين، وأن معظم الشعب قد انخرط في مشروع السلطة، ونبذ المقاومة، ورضي بشعار الثورة حتى آخر الشهر.
إن من أهم أسباب الثقة التي أَوْ هَالا جمهور الممرضين للكتلة الإسلامية هو البشرى التي زَفَّها مدير رفيع في وزارة الصحة بأنهم قد تمكنوا من إعادة الاعتبار لحقوق الممرضين في علاوة المخاطرة، تلك التي صُودِرَتْ من عام 2007 م، في الوقت الذي لا زال المتقاضون أجرهم من رام الله يتلقونها، وتبلغ خمس ا وثلاثين بالمائة من الراتب، وقد كان من دواعي سرورهم أن ذلك الإعلان كان في أوسع وسائل الإعلام، وفي أحد برامج فضائية الأٌقصى، وتزامن ذلك مع إقدام وزارة التربية والتعليم على صرف بعض المستحقات المتأخرة للآلاف من الأساتذة العاملين بها، لذلك فقد استبشر أولئك السبعمائة بأن بعض حقوقهم قاب قوسين أو أدنى، وقد تَمَلَّكَنا العجب حين علمنا أنهم إلى الآن يركضون وراءها، وقد تَقَطَّعتْ بهم الأسباب، فلم يتركوا مُؤَمَّلاً فيه إلا وطرقوا عليه الأبواب، ولم يَبْق أمامهم إلا السهم الأخير، فلجؤوا إلى التشريعي آملين ألَّا يكونوا قد أَنْزلوا حاجاتهم بوادٍ غير ذي زرعٍ.
إننا لا نتهم أحداً بالْتهام حقوق الممرضين، ولكنها قلة ذات اليد، وأضعف الإيمان أن تظهر الحقوق في وثيقة الراتب، وأن يكون شأنها كالمدخرات، نَظِرةً إلى ميسرة.
ولعل الأنكى في الموضوع هو ريبة الكذب التي بات يلوكها أنصار الكتلة الإسلامية، كما يُذِيعها معارضوها، غير أني قد تفاءلت بقرب انفراج هذه الأزمة؛ استئناساً بالقرآن الذي أخبر أن أقرب ساعة إلى النصر هي التي يستيئس فيها الرسل، ويظنون أنهم قد كُذِبوا، وأنهم أُخْلِفوا ما وُعدوا به من نصر، وإنَّ أقوامهم لم تعد تصدقهم، فهل يعقل أن تتابعهم أو تبايعهم؟!.
إن كتلة التشريعي لو تَبَنَّتْ قضيتهم بقوة، فقد يكون ذلك أحدَ البشائر التي تُعَجِّل بمجيء الفرج، وإياب الحقوق.
إن التمريض كما يعاني من الحرمان من علاوة المخاطرة يشتكي من تدني علاوة المهنة، فهي أدنى من المخاطرة بخمس درجات في المائة، في حين تبلغ علاوة الصيدلة ضعف علاوة التمريض، فهي ستون بالمائة، وهم يرون الأمر معكوساً؛ فإن الجهد المنوط بالتمريض بالليل والنهار، وحتى في أيام الإجازات لغير العاملين في التمريض، مع قلة العدد، بالقياس إلى المعايير العالمية؛ إذ إنَّ كلَّ طبيب يقابله اثنان من المرضين، أما في واقعنا؛ فإن عدد الأطباء يفوق عدد التمريض أضعافاً مضاعفة، لذلك فإن الواجب الملقى على كواهلهم يَنُوءُ بالعصبة أُولي القوة.
وقد لاح في الأفق رغبةٌ من بعض الدول العربية في التعاقد مع المزيد من الطواقم التمريضية، ويبدو أنهم سوف يتمكنون من امتصاص أكثر الخريجين، مع أننا في مسيس الحاجة إليهم؛ بل إن العاملين في التمريض يراودهم الآن أن يكسروا قيد الوزارة، وأن يتعاقدوا مع ليبيا، أو السودان، أو غيرها من البلدان، رغم أنهم أشبه بالأسرى في الوزارة، فلا يؤذن لهم في الاستقالة، ولا يسمح لهم بتطوير خبراتهم، والحصول على الشهادات العليا، حتى وجدتني أُمازِحهم بأنهم في حاجة للإضراب عن الطعام؛ لعلهم ينتزعون حقوقهم في الاستقالة والاستراحة قبل التقاعد.
إنه لن يتسع المقال لتناول كل ما أُثير في ذلك اللقاء الأليم، خاصةً وأن الاقتراع على مجلس إدارة جديد يطلبنا حثيثاً، والإخوة لا يملكون أن يتقدموا ببرنامجٍ مقنعٍ لجمهور الممرضين، وغيرُ مسموحٍ لهم أن يزاولوا التصعيد بالدعوة إلى الإضراب، والعصيان المدني، فإذا انضاف إلى ذلك أن أجواء المصالحة التي تلوح في الأفق سوف تدفع الآخرين أن يزاحموا بقوة، وأن يرصدوا المزيد من الأموال والوعود، الأمر الذي ينذر بذهاب التاريخ الناصع للنقابة والكتلة؛ كمؤشر لمبايعة الشعب الفلسطيني لخيار الإسلام والمقاومة.
أما آية المقال فتنطوي على مَخْرَجٍ أو فتوى ليمينٍ صدرتْ من سيدنا أيوب عليه السلام، فقد ابتلاه ربُّه بالمرض المُقْعِد،حتى لم يبق له إلا لسانه الذاكر، وقلبه الشاكر، ثم زوجته التي كانت تقوم على تمريضه وخدمته، وصبرت على النَّصَب والتعب بأشدَّ من صبر فتياتنا على فقدان أزواجهن بالأسر في سجون الاحتلال والسلطة عدد سنين، وقد تصل إلى عشرات المؤبدات.
وقد حدث أن تأخرتْ ذات يوم عن الرجوع في الميعاد المعتاد، فظَّن أنها قد خارت عن الخدمة، واختارت أن تلحق بقومها في التخلي عنه، وقد كانوا من قبل لا يغادرون حريم بيته، فقد آتاه الله مالاً ممدوداً، وبنين عديداً، لذلك فقد أقسم لئن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة، ثم تبين أنها على العهد صابرة محتسبة، وأنها لم تقترف خطيئة أو إثماً، فقد كانت معذورة كعذر الهدهد يوم مكث غير بعيد، ثم جاء مهرولاً، وكان من الصادقين في مجيئه من سبأٍ بنبأٍ يقين.
إن هذه الفتوى تقول له: خُذْ مائة عودٍ من القش، واضرب بها امرأتك ضربةً واحدة، فلا تكون حانثاً في يمينك، ولا ظالماً لزوجك، وقد كافأهما الله على الصبر بإيتائهما أهلهما، ومثلهم معهم، رحمة من ربنا وذكرى لأُولي الألباب، وإننا لنرجو لإخواننا في التمريض أن يكونوا من أولي الألباب، الذين نجدهم صابرين أَوَّابين، وهم نعم العابدون، ولسوف يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب، وحسبهم أن دعاء المرضى مقبول، وأن ضراعة المظلوم مستباحة، والله ولي المتقين
في مقال في صحيفة فلسطين بتاريخ 2\6\2012م بعنوان
 
أعلى